الدعم المدرسي

د. هاشم عواضة
من كتابه: تقويم التعلّم(2010)

الدعم المدرسي Remédiation scolaire / Remedial Education
العملية التربوية فعل إرادي يؤدّي إلى إكساب المتعلمين أو اكتسابهم معارف وقدرات ومهارات ومواقف أو اتّجاهات مرغوبة. تبدأ هذه العملية في المدرسة بتحديد الأهداف التّعلّمية لتمرّ بعد ذلك باختيار الطرائق والوسائل والمحتويات المناسبة، وصولاً إلى تنفيذ التعليم والتعلّم، فتقويم النتائج، الذي يسمح بتغذية راجعة تطال كامل مكوّنات العملية ونتائجها، من أجل تطويرها بشكل دائم.
تأخذ هذه العملية شكلاً حلقياً دائم الحركة، وهي تهدف قبل كل شيء إلى تربية الإنسان بكامل أبعاد شخصيته من خلال إكساب كل المتعلمين أكبر قدر ممكن من الكفايات. يصطدم هذا الهدف أحياناً ببعض المعوّقات التي تولّد ثغرات تعلّمية لدى بعض المتعلمين، فمن واجب المدرسة السعي إلى ردمها بكلّ الوسائل المتاحة من خلال عملية الدعم الذي يعتبر جزءاً من عملية التعليم والتعلّم.

تعريف الدعم
الدعم هو كلّ فعل تعليم وتعلّم، يهدف إلى مساعدة متعلمين على التمكّن من معارف وقدرات ومهارات ومواقف، أو كفايات منهجية العمل أو استراتيجيات التفكير يُلجأ إليه بعد عملية تعليم وتعلّم سابقة لم تحقّق كامل أهدافها. وهكذا يوجّه هذا التعريف العملية بشكل أساسي باتّجاه دعم المتعلمين الذين يستنتج أنّ لديهم ثغرات تعلّمية، ويستثني بالتالي المتعلمين المتفوّقين من دائرة اهتمامه، مع العلم أنّه بالإمكان تصوّر عمليات تقوية لهؤلاء تساعدهم على الذهاب أبعد في التحصيل والتعلّم.
إنّ دعم المتعلمين الذين تُكشف لديهم ثغرات تعلّمية بشكل خاصّ والمتفوّقين على المضيّ قدماً في تفوّقهم مطلب للمتعلمين والمعلّمين والأهل والمدرسة والمجتمع بشكل عام. وهو حقّ لهؤلاء، وعلى المدرسة القيام به وصولاً إلى عمل تربوي يسمو بالإنسان إلى مراتب أعلى في مسيرة تنمية استعداداته الفكرية والعاطفية والاجتماعية والحسيّة والحركية.

فوائد عملية الدعم
من فوائد اللجوء إلى عمليات الدعم:
- زيادة فرص المؤسسة التربوية في مجال تعميم بلوغ أهدافها.
- التخفيف من عمليات التأخّر والرسوب والتسرّب المدرسي وبالتالي من كلفتها المادية وآثارها السلبية.
- التخفيف من آثار الفروقات الفردية، عبر العمل على تلطيفها، مما ييسّر العملية التربوية على المعلم والمتعلمين.
- تسريع عملية التعليم والتعلّم بسبب مواكبة جميع المتعلمين للركب دون إبطاء، كنتيجة لزيادة تجاوب المتعلمين، الخاضعين للدعم، مع العملية.
- إضفاء أجواء إيجابية محبّبة في المدرسة مما يعطيها أجواء العائلة التي يسودها التعاون وتضافر الجهود من أجل نجاح الجميع.
- تنمية الثقة بالنفس لدى المتعلمين وتحسين صورة المدرسة في أعينهم.
- ...

أسباب الثغرات والعقبات التعلّمية
من الضروري جدًّا البحث عن أسباب الثغرات والعقبات التعلّمية وعدم الاكتفاء بالسعي إلى إزالتها أو ردمها، لأنّه لا فائدة من ردم الثغرات أحياناً إذا لم تعالج أسبابها. إنّ علاج الأسباب يجب أن يسبق أو في الحدّ الأدنى يتزامن، في بعض الحالات، مع علاج الثغرات من أجل ضمان عدم تجدّدها.
يجب البحث عن خلفيّات الثغرات عند:
?أ. المعلم
- امتلاكه بشكل كاف لمفاهيم المادة المعرفية.
- كفاية الشرح: الاستفادة من سؤال المتعلمين عن الموضوع.
- تمكنّه من لغة التعليم.
- الحصول على معطيات عن ملاءمة كل من التحضير والطرائق والتقويم للأهداف والكفايات.
- عدم الاستقرار الوظيفي.
- شخصية المعلم.
- كفاية المدّة الموظّفة في عملية التعليم والتعلّم.
- تصوّر المعلم عن معلومات المتعلمين ومستوى حضوره التعليمي.
- توقّعات المعلم من المتعلمين.
?ب. المتعلّم
- مواصفات ذاتية (بطء في التعلّم، عدم قدرة على التركيز...).
- كفاية معارف المتعلم وإمكانية توظيفها في مواقف جديدة (حلّ مسائل).
- طريقة فكّه للرموز (فهم المعطيات والأسئلة الكاشفة عن تحقّق الأهداف).
- عدم نضج المتعلّم واستيعابه للمفاهيم.
- صورة المادة والمعلم في أعين المتعلم، إضافة إلى الصورة التي لديه عن نفسه.
- عدم الاهتمام بالمدرسة، رفض المعلم أو مجموعة الرفاق.
- نقص في المكتسبات القبلية.
- اعتماد طريقة خاطئة بالدرس.
- عدم الثقة بالنفس وبالإمكانات الذاتية.
- توقّعات المتعلّم من المعلّم.
- مشاكل نفسية وسلوكية.
?ج. المادة المعرفية
- صعوبة الكتاب/ النصوص.
- عدم تقسيم المادة بشكل مناسب.
- بعد المواضيع المطروحة عن اهتمامات المتعلّمين.
- عدم تلاؤم الهدف التعليمي ومستوى المتعلّمين.
?د. عوامل أخرى
- عدم تعاون الأهل مع المدرسة.
- مشاكل داخل الأسرة.
- ظروف عمل المعلم (عدد المتعلّمين في الصف، عدد الحصص الأسبوعية، توقيت الحصّة في اليوم والأسبوع...).
- مشاكل سببها الأنظمة المدرسية (التقويم، الترفيع، استقبال المتعلمين الجدد...).
يتبيّن لنا ممّا تقدّم أنّ علاج بعض الأسباب يفوق قدرات المعلم وأحياناً المدرسة، ولكن التفكير في خلفيّات الثغرات يوضح الصورة أمام المعلّم ويساعده على اتّخاذ قرارات منتجة وفي متناول الإمكانات والصلاحيات.
تحديد الثغرات والعقبات التعلّمية
يبدأ تحديد الثغرات التعلّمية عند بعض المتعلّمين حين ملاحظة المعلّم لها. (مثلاً عدم القدرة على القسمة). يلجأ المعلم بعد ذلك، إلى تحديد الكفايات غير المحصّلة لدى المتعلمين المعنيين، ويستخدم تقنيات التقويم التكويني وشبكة التقويم الاستعلامي. أما في حالة المتعلمين الجدد فيلجأ المعلم مباشرة إلى الاختبار التشخيصي. تساعد هذه التقنيات في رفع الضبابية والعمومية عن موضوع الحاجات، وينتج عنها الكشف عن الكفايات غير المكتسبة في مادة واحدة، أو تلك المتعلّقة بمسارات تفكير المتعلّم التي تتجاوز المواد المعرفية (تحليل، تصنيف، حلّ مسائل...).
تحدّد الثغرات والعقبات بشكل أفضل عندما يشترك في تشخيصها فريق تربوي منه: المعلم، المنسّق، الأهل، الإرشاد الاجتماعي والنفسي، مجلس الصف... يلي عملية تحديد الثغرات التعلّمية اتّخاذ قرار بشأن ضرورة علاجها بالدعم أم لا. فمن الكفايات ما يكتسب مع الزمن ومنها ما لا يؤثّر عدم اكتسابها على متابعة عملية التعلّم لأنّها لا يُبنى أو يؤسّس عليها. ففي المثل المقّدّم عن القسمة يعود مرجع الثغرة إلى عدم القدرة على الضرب وعليه تكون كفاية الضرب أساسية تُقدّم للقسمة لأنّه لا يمكن متابعة اكتساب كفاية القسمة من دون التمكّن منها.
يحكم قرار الدعم النظرة إلى مستقبل المتعلّم وليس إلى ماضيه. بعد تحديد الثغرات يصنّف المتعلّمون المعنيون بالدعم إلى مجموعات ذات حاجات مشتركة أو ذات مستوى واحد دون إغفال الحالات الفردية.
يهمّنا الإشارة إلى أنّه لا يمكن الرجوع في تحديد الكفايات المحتاجة للدعم إلى معدّلات العلامات، لكون هذه المعدّلات لا تعبّر عن نفس القيمة والمكتسبات المطلوبة.1 يمكن لهذه المعدلات تشكيل مؤشّرات تدلّ على حالة عامّة لدى المتعلم دون السماح بالكشف عن تفاصيل ثغرات تعلّمه.

أشكال الدعم
يأخذ الدعم أشكالاً مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
• دعم بالتغذية الراجعة
تزويد المتعلم بالاختبار مع الإشارة إلى الأخطاء والطلب إليه تصحيحها بنفسه أو عبر مقابلة إجاباته مع الإجابات الصحيحة. المطلوب هنا تحفيز المتعلم ومكافأته بزيادة علاماته عندما يحسن تصحيح أخطائه. من المفيد جداً للمتعلّم أن يعي مكمن خطئه حتى يتجاوزه. يمكن المعلم، عند الضرورة، سؤال المتعلم بشكل مطمئن بهدف استطلاع طريقة تفكيره وعمله سعياً وراء اكتشاف العقبة أمام تعلّمه كمقدّمة لمساعدته على تجاوزها.
• دعم بالتكرار أو عبر تنفيذ نشاطات إضافية
- الطلب إلى المتعلّم مراجعة المادة ونشاطات الكفاية/ الهدف غير المكتسب.
- تكرار شرح المادة من قبل المعلّم.
- الطلب إلى متعلّم متمكّن من المادة مساعدة متعلّم لم يتمكّن من تلك المادة والتأكّد من قيامه بذلك.
- القيام بنشاطات وتمارين إضافية: ينفّذها المتعلّم وحده بإشراف المعلم أو الأهل أو بمساعدة الزملاء.
• دعم باعتماد استراتيجيات تعليم - تعلّم خاصّة
- الاهتمام بمتعلّم واحد من قبل المعلم (تحفيز، متابعة عن قرب...).
- تبنّي متعلّم مكتسب للأهداف والكفايات لآخر لم تتحقّق هذه لديه. يكون المتعلّم المساعد من نفس الصف أو من صف أعلى أو حتى من خارج المدرسة (Tutoring/ Tutorat).
- متابعة برامج متخصّصة على الكمبيوتر (تعليم مبرمج) أو متابعة برامج على التلفاز المدرسي.
- الاشتراك في مشغل تربوي (في اللغات خاصّة)، الاشتراك في مسرحية، إعداد مقالة...
- مطالعة كتب مساعدة.
• دعم من نوع آخر
- تدخّل الإرشاد الاجتماعي أو النفسي أو أشخاص من خارج المدرسة.
- تحسين صورة المدرسة/ المادة/ المعلم في أعين المتعلّم، تنمية ثقته بنفسه وبقدراته.
إدارة عملية الدعم
بعد تحديد مجالات الدعم توضع له، على ضوء الإمكانات، البرامج الخاصّة، تشرف على مجمل عمليات الدعم إدارة المدرسة وبالخصوص تلك المنفّذة خارج إطار الحصّة الدراسية وضمن المدرسة خلال الدوام أو بعده.
هذا الدعم الأخير يحتاج إلى تحديد سياسات، وأوقات وأمكنة وكلفة مادية ومتابعة تقويم النتائج. وهو لا يستقيم إلا بإشراف إدارة المدرسة التي تنسّقه حسب الحاجة مع النظّار أو المنسّقين أو الإرشاد الاجتماعي أو مربي الصف.
يكون الدعم:
- خلال الحصّة الدراسية ويتابع تنفيذه المعلم أو من يساعده وفي حالات محدودة متعلّم من خلال العمل الثنائي.
- خلال حصص خاصّة في المدرسة: ينفّذها متعلّم محصّل الكفاية يتبنّى آخر غير محصّل لها، أو المتعلّم حين يتعلّم بالاعتماد على نفسه،أو معلّم المادة أو معلّم مساعد أو مربّي الصف.
- في البيت: يشرف على العملية الأهل أو معلّم خاص شرط التنسيق مع المدرسة والاتّفاق معها على الكفايات المطلوبة وطريقة العمل وآلية متابعة النتائج.
كما ويكون:
- أوّل العام الدراسي بعد اختبار تشخيصي وخاصّة لمن يلتحق حديثاً بالمدرسة ولديه بعض الثغرات.
- بُعَيد انطلاق العام الدراسي حال التأكّد من الحاجة إليه.
- في العطلة الصيفية: لمن تنقصه بعض الكفايات كشرط للنجاح والترفيع.
أمّا مدّة عملية الدعم فغير محدّدة وهي تتعلّق بإنجاز الأهداف والإمكانات المتوفّرة.

تقويم نتائج عملية الدعم
إنّ تقويم نتائج عملية الدعم يكون، في المبدأ، تكوينيًّا. يمكن أحياناً اللجوء إلى العلامات الرقمية أو إلى سلّم الدرجات من خلال تنظيم اختبار قبلي عن الكفاية المحدّدة، يليه اختبار بعد إنجاز العملية لقياس مدى التقدّم في اكتسابها.
يُستحسن تأجيل التقويم التقريري (Summative Evaluation/ Evaluation Sommative) حتى الانتهاء من العملية لأخذ النتائج المحصّلة بعين الاعتبار. فإذا كانت علامة المتعلم على الكفاية ثلاثة من عشرة قبل الدعم وأصبحت ثمانية بعده على نفس الكفاية تعتمد العلامة الأخيرة ولا يرجع في مثل هذه الحالة إلى معدّل العلامتين.
كما ويمكن اللجوء إلى التقويم الذاتي من خلال تقويم المتعلّم لنفسه خاصّة عندما تكون أهداف الدعم تنمية ثقة المتعلم بنفسه أو تغيير نظرته إلى للمادة أو لصورة المدرسة أو لرؤيته نحو المعلم. وفي مثل هذه الحالة الأخيرة يمكن الاستئناس برأي معلّم الدعم أيضاً أو معلّم الصف أو مربّيه، أو المتعلم المتبنّي... حسب الحالة.
أخيراً، نقترح إضفاء صفة الالتزام الخطي على العملية من خلال إعداد نماذج خاصّة تظهر فيها الأهداف والمدّة والضوابط وتعهّد أدبي من المتعلم ومن يتكفّله يؤكّد فيها على احترام الأصول والقواعد المتبعة.
يظهر، مما تقدّم، أهمية عملية الدعم المدرسي وموقعها في صلب عملية التعليم والتعلّم وضرورة تأمين ما أمكن من مستلزمات نجاحها. لأنّها عملية معقّدة وصعبة تحتاج إلى تخطيط كبير، وتبقى المشكلة الكبرى أمامها مسألة إيجاد الوقت اللازم للتنفيذ. إنّ الحلّ الأمثل لها يكمن في إدراج هذا الوقت ضمن نصاب المعلم وتفريغ جهاز مختصّ بها.

هناك تعليق واحد: